فلنبتعد قليلاً عن الأحاديث المكررة المملة عن الثورة وكيف أن أهدافها ذهبت مع الريح ، فقد تعبت حقاً من تناول هذا الموضوع
بعد أن كان داخلي يفيض بالأمل بأن ما نادينا به سيتحقق ولو بعد حين من التخبط والتشتت وحتماً أنت سئمت قرائته .. هذه المرة سأتناول تلك الثورة من منظور آخر !
بعد الثورة ، كانت معظم فئات الشعب تدعم حركة الحرية والتغيير وكيف أنه آن الأوان لتغيير واقع الديكتاتورية والقمع والعنجهية وأجواء أمن الدولة والظلم ، وظهر من المؤيدين لرغبة الشباب في الحرية والتغيير كثيرون وكثيرات أفعالاً ومواقف ينحني لها المرء احتراماً وسعادة .
البعض بعد أن كان يمجد النظام السابق قولاً وفعلاً ويكاد يبصم بالعشرة أنه الأفضل ، غيّر موقفه تماماً تضامناً مع الشباب والثورة مُبدياً احترامه وتقديره لرغبته .. لن نفترض سوء النية لعلهم تغيروا حقاً وأدركوا سمو مطالب الثورة مثلاً !
وظل بعض مفكرين وكتاب وإعلاميين هذه الدولة ينددون بغباء الأنظمة وكيف أنه لا يمكن التهاون في الدم ، ولايمكن التساهل في قتل أبناء الدولة ذات الحضارة العريقة ، وظلوا يدعمون الثائرين الأحرار بمطالبهم ورغبتهم في السير آلاف الأميال بعيداً عن الظلم والقمع والغباء والوثوب للديموقراطية والحرية ، وكيف أنهم اليوم هم ممثلي هذه الأمة وأنه لا يمكن السكوت عما كان يحدث قبلاً ووجوب الإنصات إليهم والحذر من بطش غضبهم .. عظيم !!
ولكن سرعان ماتبدَّل أصحاب المبادئ ، فذلك الذي انحنيت له احتراماً أمس تقف منه اليوم مذهولاً .. مصدوماً !

تخيل أن والدتك تنهاك أن تفعل مثل صديقك المدخن ، إذ أن ذلك يضر بصحته ويضيع أمواله عبثاً وتطالبك بالابتعاد عنه ، ولكنها تبرر لأخاك المدخن بأن أحواله صعبة وهذه الطريقة تساعده في تخفيف أحماله وأنك يجب أن تسانده !!
هل تخيلت كم التضارب في المثال السابق ؟ .. هذا مشابه لما يحدث تماماً .
كم العبث الذي شهدته مصر ومازالت تشهده يمكن أن نلتمسه في مفكريها وإعلامييها وبصورة واضحة جداً على مدار الفترة السابقة ، فهم يمثلونه خير تمثيل بمواقفهم المتبدلة مئات ، بل آلاف المرات.. كم التطبيل والنفاق في هذه البلد البائسة لم يعد يحتمل .. كم التغير في المواقف في ردود الأفعال والأقوال يثير الدهشة والغثيان !
كيف هذا سيدي ، كيف أصبحت تبرر ما نددت به سابقاً !؟
كيف أصبحت تهلل الآن فرحاً للعنجهية والقمع والظلم العائدين بقوة وأكثر من ذي قبل بعد أن عارضتها سابقاً !؟
كيف تحارب الشباب وتتهمه أنه من يريد الفساد والخراب لهذه البلد وأنه لا يريد الاستقرار ولا أن يري مصر أم الدنيا قد الدنيا !؟
أين ذهبت الميادئ ، وكيف تقفون صامتين مؤيدين أمام نفس ما نددتم به ونهيتم عنه سابقاً !
للأسف لقد فقدت المصداقية معاييرها منذ وقت طويل ، وفقد المنطق أيضاً معاييره وانهار ضاحكاً منهم ومن أفعالهم .. ماذا يحدث ، لماذا يحدث؟ .. قد فقدت القدرة عن التعبير وحقاً لا أعي كم هذا التضارب ولا أسبابه !
عزيزي المحلل السياسي ( المفتي بمعنى أدق ) أو الإعلامي ، عندما تقيم الحد على أردوغان لتدخله في شأن مصر ، وكيف أن ذلك المتعدي يساند ما لا تسانده أنت ويحشر أنفه فيما لا يخصه ، وتطالب بضرورة قطع العلاقات المصرية التركية رداً على أفعاله المشينة .. تذكر أيضاً أن تقيم الحد على هذا الذي بدل مواقفه من ثورتك ، وعلى ذاك الذي يعتبرك نوراً لعينيه ولكنه يهينك بصورة يصفق لها هذا المتبدل ، وعلى تلك التي تعتبرك اليوم عائقاً في مسيرة التقدم والحرية - رحمة الله عليهما - .
ماذا أقول وأي قول يقال بعد كل ما قيل ، فقد تضاربت الأقوال والأفعال والعبث واحد ، لا ينتهي ولن ينتهي !!